“بيد أني لم أُفضِّل تناول “الأغاني” من منطلق فكرة الاختصار أو التَّبسيط، ولا بالانتقاء أو التَّهذيب، فجميعها سبلٌ قد تُؤدِّي بالكتاب الأصلي إلى التَّسطيح، خاصَّة إذا لم يكن القائم بالعمل مُدركًا لما يُطلَق عليه: روح النَّص. فينتهك روحَه بالجَزِّ والقَصّ، ما يُخرِجه للقُرَّاء كتابًا جسدًا لا جِسمًا، ينظر فيه القارئ، فلا يرى عيشًا، ولا يحسّ نشاط حياة، فيباعده مباعدة الأحياء للأموات، ويتَجنَّبه تَجَنُّب الأصِحَّاء للمرضى.

أمَّا أنا فلم أُخفِّف من أنواع النَّغم والإيقاعات فقط، بل حذفتُها جميعًا، وكذلك فعلت بالأسانيد، وبالأخبار المشتركة، بل زِدتُ بحذف جميع الأخبار غير المُتَّصلة بموضوع الكتاب الأساسي، وهو “الأغاني”، فلِمَ أُبقِ على تلك الأخبار إذا كانت موجودة بانبساط في الكتب التَّاريخيَّة المُختصَّة بها؟ لا يتمَيَّز الكتابُ بذكرِها، بل ينتفخ ويثقل، فيُمَل، وتخلَّصتُ من جميع الأشعار التي لم تعد مفهومة لقارئ هذا العصر، بل أشبه ما تكون بالكتابات الهيروغليفيَّة، أو الطِّلَّسمات السِّحريَّة، إمَّا لمفرداتها العتيقة، أو لأجوائها السَّحيقة، وتَخيَّرتُ أشعارًا قليلة منظومة، رائقة ومفهومة، وإن كانت كُتِبَت قبل مئات السِّنين، لا تزال تتنفَّس روح الحداثة”.

كان هذا منهج أشرف الخمايسي في تخليص كتاب “الأغاني” لأبي الفرج الأصفهاني، في ملخصه “تخليص الأغاني من كتاب أبي الفرج الأصفهاني” ضمن سلسلة “سيرة عرب أقدمين” ليقدم لنا الكتاب بشكل جديد في مجلد واحد من القطع الكبير من 687 صفحة بعد أن كان الكتاب الأصلي في إحدى طبعاته 25 مجلدًا.