الرواية : صور معلقة على السّور
الكاتب : محمد صفوت
دار النشر : المحرر للنشر و التوزيع
تصميم الغلاف : أحمد الصباغ
روائية تستحق القراءة و ليست للتسلية أو المتعة اللحظية بل طرح قضية و تساؤلات فلسفية و حديث عن حقبة تاريخية يمرر فيها الكاتب كثير من أفكاره التى يصعب التصرح بها مباشرة و تتناول مشاكل نفسية ليغوص في النفس البشرية و قبل كل ذلك المتعة الهدف الأول للرواية
رواية ” صور معلقة على السّور ” هي من تلك النوعية التي تطرح تساؤلات عن فكرة الخلود و رفض الهزيمة للزمن و التشبث بالحياة من خلال نعمات و زينة بطلتا الحكاية فمنذ السطور الأولى تحكي زينة قصتها مروراً بأحداث كثيرة و شخصيات متعددة لكل شخصية أهميتها و تحمل جزء من تاريخ مصر و ما يدور وقتها من صراعات، خلال الأربعينات و الملكية ثم المرور سريعاً بقيام الجمهورية و ما أعقبها من أحداث غيرت كثيراً من شكل المجتمع و طبقاته في فترة السادات و مبارك.
لم يعجبني في بادئ الأمر عنوان الرواية فلم أجد فيه ما يجذبني لقراءتها ثم وجدتها ملحمة درامية تاريخية و رواية محكمة البناء و شعرت أن العنوان ” صَرْعَى سُور مانشيني – أرض المشتل ” حيث الصراع بين كل الشخصيات محوره ذلك السور العجيب الذي ظل قائماُ رغم كل الأحداث و رحيل كثير من أبطاله بداخله.
استخدم الكاتب اللغة العربية الفصحى في السرد و الحوار الذي كان قليلاً خلال ٣٥٠ صفحة لم أشعر فيهم بهبوط رتم الأداء بل كنت في تواصل مع الحكايات مستمعاً بعمل درامي رائع و تصوير لكل المشاهد ببراعة و أسلوب أدبي راقي
جاءت شخصيات الرواية متعددة لكل شخصية دورها بدءاً من شامل ذلك الصعلوك الذي ألهم الطبيب لعلاج مرضاه بمياه الكبرتيد و علاج والدة الباشا فكانت سبباً في تحول حياته ليصبح من علية القوم ثم توحش في جمع ثروته و تعجبت كيف كان سبباً في شفاء آلام الجنود ليتحول بعدها مسبباً الآلام للكثير حتى ابنه فقد قسى قلبه أشد قسوة و لكنك ستجد أن حاشيته في كل مرة سبباً في اغواءه بهذا الظلم .
استطاع الكاتب عمل توليفة لتمثل حقبة السادات و التغييرات التي طرأت على المجتمع من بزوغ الفاسدين و الخطاب الإسلامي المتشدد في الشيخ عبود ( الشيخ كشك ) و دور الصحافة و ألاعيبها و استدعاء شخصية محفوظ عجب في يحى خليل و جسد الصراع بشكل رائع ليقدم محمد صفوت نفسه كاتب قدير و كبير.
وضح من السطر الأول أن الرواية ستحمل رموز و اسقاطات كثيرة و هو ما دفعني للتركيز مع الكاتب و كانت على هيئة أسئلة تحتاج إلى التفكر حيث ارتبطت بالخلود و الموت :
– هل محو مبنى يحوي في نفس الوقت محواً للمتن..؟ فكلما تمحو مبنى تمحو معه الحكايات التي تقطنه ؟
– هل محو كل تلك المباني يؤدي إلى محو تاريخ الأرض و شعبها؟
– هل يمكن مواجهة العدم بإعادة سرد ما كان؟
– هل يمكن أن تموت صورة داخل إفريزها المذهب قبل صاحبها أم تكون أعمار صورنا أطول من أعمارنا ؟
و الحديث عن الشيكولاته كان مبهراً حيث لصناعة الشيكولاته أسرار مرتبطة بمزاجنا وقت العمل :
” لا يصنع الشيكولاته الكارهون للحياة ” و صف في صنع الشيكولاته يزيدها جمالاً فوق جمالها يدفعك لتناولها مع الرواية، و لكن تجد هناك تناقض كبير بين المتعة التى تمدك بها الشيكولاته و بين العذاب الذي يراه أطفال أفريقيا في مزارع الكاكاو فلم يتذوقوا حتى طعمها رغم مشاركتهم في صنعها و كأن دوماً هناك من يدفع تكلفة متعتنا و الحياة غير عادلة.
و قد كان اختيار عمال مصنع الشيكولاته يتم بشكل بديع حيث تتأثر الشيكولاته بحالة العامل النفسية و الإجتماعية و هو ما يتم تدريسه حاليا في اختيار الموظفين.
مصنع كورونا الذي شيده اليوناني كريستو هو من أول مصنع للشيكولاته في مصر بعلامته المميزة ” الغزالة ” و ذكر سبب اختيار تلك العلامة و هي معلومة صحيحة و قد وظف الكاتب هذا الحدث في شكل درامي رائع.
التأميم و كيف حول مصنع مانشيني الناجح إلى خرابة و كأن التأميم كانت خسائره كبيرة و فادحة فلم تحسن الدولة انتهاز تلك الفرص بل تحولت كل المصانع التى أُممت إلى مصانع خاسرة و انتشر فيها الفساد و قد حلت يافطة ” أرض مصنع الصواريخ ” بعد هدمه حتى تحول إلى مول كبير فيه يمارس فيه كل الموبقات و استباحة المبادئ.
السنتر هو تجسيد للحالة التى أصبح عليها المجتمع في عصر الانفتاح ثم عصر مبارك و قد تم بناءه على أرض المشتل بعد أن كان خرابة ثم تم محوه لتعود أرضاً من جديد و يحوطه السور الذي يحمل كثير من الحكايات
.
الرواية تمثل أكثر من جيل الباشا شامل ثم ابنه قاسم ثم نعمات أبدع الكاتب في الربط بينهم مما يجعله عمل أدبي يستحق الإشادة و القراءة، من خلال هذا العمل قد أثبت الكاتب أنه صاحب موهبة و قوة في الأسلوب.
” هناك ما لا يمكن معالجته إلا بالبصق و الإنسحاب.. ماذا يمكن أن تفعل طلقة رصاصة لرأس خائن ؟ لن تكون الرصاصة كافية للقضاء على فكرة الخيانة ذاتها “
” نحن نرى أنفسنا في المرآة بعيوننا لكن الفن يمنحنا صورة أكثر صدقاً لأننا نرى أنفسنا بعيون الآخرين ” و هذا سر جمال الفن.
و تظل المطويات التى كانت تجدها زينة في كل ركن هي رسائل و إشارات جعلت العمل مشوقًا و فريدًا.

1 تعليق

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *